عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فقال صلى الله عليه وسلم
ومما يلفت النظر أيضا أن الله سبحانه وتعالى ذكر لفظ اليتيم في القرآن
الكريم ثلاثًا وعشرين مرة، وفي ذلك إشارة واضحة للمسلمين للانتباه والوقوف
وقفة جادة أمام هذه الفئة وأمام احتياجاتها، والمشاكل التي قد تواجهها
سواءً أكانت معنوية أم مادية أم اجتماعية أم غير ذلك، وبالنظر في نصوص
القرآن العديدة في شأن اليتيم ، فإنه يمكن تصنيفها إلى خمسة أقسام
رئيسة،كلها تدور حول:دفع المضار عنه، وجلب المصالح له في ماله، وفي نفسه،
وفي الحالة الزواجية، والحث على الإحسان إليه ومراعاة الجانب النفسي لديه.
قال تعالى (
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين ) النساء36
فالإحسان إلى اليتيم متعين كما هو للوالدين ولذي القربى ، وليس هذا فحسب
بل وقارنه رب العزة والجلال بالإيمان به وجعله من أعظم أعمال البر , فقال
جل من قائل (
لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ )البقرة 177
ولقد تنزلت في حق اليتيم الآيات في أوائل ما تنزل من القرآن المكي كقوله تعالى
)أَرَأيتَ الّذِي يُكَذّبُ بالدّينِ * فَذَلِكَ الّذِي يَدُعُ اليتيمَ * ولا يحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ ) الماعون 1-3.
ومفهوم الآيتين المباركتين، أنّ الذي يطرد اليتيم، ويحرم اليتيم حقه، هذا
هو الذي يكذب بالدين. تعبيراً عن الترابط العميق بين الدين، وبين الاهتمام
بشؤون الأيتام، وبين الإيمان وبين الاهتمام بشؤون المتعبين . فلا يمكن أن
يبقى الإنسان متديناً ويطرد اليتيم . وقوله تعالى (
فَأمَّا اليَتِيم فَلاَ تَقهَر ) الضحى 9 . قال ابن كثير :
فلا تقهر اليتيم : أي لا تذله وتنهره وتهنه ، ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وكن لليتيم كالأب الرحيم .وقوله تعالى (
فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) البلد 11-15
وقال تعالى ممتدحا حال الصالحين (
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) الإنسان .8.
قال القرطبي : أي يطعمون الطعام على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له , وكان
الربيع بن خثيم إذا جاءه السائل قال : أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر .
وروى منصور عن الحسن أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر , فدعا ذات يوم بطعامه
,وطلب اليتيم فلم يجده , وجاءه بعد ما فرغ ابن عمر من طعامه فلم يجد
الطعام , فدعا له بسويق وعسل فقال : دونك هذا فوالله ما غبنت
وعلى العكس قال تعالى موبخا كفار قريش ومن على شاكلتهم (
كلا بل لا تكرمون اليتيم ) الفجر 17.
يقول سيد قطب رحمه الله تعالى : وقد كان الإسلام يواجه في مكة حالة من
التكالب على جمع المال بكافة الطرق , تورث القلوب كزازة وقساوة , وكان ضعف
اليتامى مغريا بانتهاب أموالهم وبخاصة الإناث منهم في صور شتى وبخاصة فيما
يتعلق بالميراث , كما كان حب المال وجمعه بالربا وغيره ظاهرة بارزة في
المجتمع المكي قبل الإسلام , وهي سمة الجاهليات في كل زمان ومكان ! حتى
الآن , وفي هذه الآيات فوق الكشف عن واقع نفوسهم , تنديد بهذا الواقع ,
وردع عنه , يتمثل في تكرار كلمة ( كلا ) كما يتمثل في بناء التعبير وإيقاعه
, وهو يرسم بجرسه شدة التكالب وعنفه (
وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما ) الفجر 19-20
كما
أمر عز وجل بحفظ أموال الأيتام ، وعدم التعرض لها بسوء ، وعدَّ ذلك من
كبائر الذنوب وعظائم الأمور ، ورتب عليه أشد العقاب ، قال تعالى (
إنّ الذِينَ يَأكُلُونَ أَمَوالَ اليَتَامى ظُلماً إنّما يَأكُلُون في بُطُونِهِم ناراً وسَيصلَونَ سَعِيراً ) النساء، وقال تعالى (
ولا تَقربُوا مَالَ اليَتِيمِ إلا بِالتِي هِيَ أحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وأوفُوا بِالعَهدِ إنّ العَهدَ كَانَ مَسئُولا ) الإسراء 34.
وقال تعالى (
وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) النساء 127
وعدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (
اجتنبوا السبع الموبقات ،
قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟، قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات )