يوم واحد فى العراق واسبوع كامل فى الكويت
------------------------------------------------
فى شهر ديسمبر عام 2011 ذهبت الى الكويت لأدخل العراق واخرج مع
اخر كتيبة عسكرية اميريكية منسحبة من العراق. دخلت العراق عبر معسكر "ادر" المعروف الان بقاعدة الامام على الجوية دخلت بطائرة عسكرية اميريكية ثم خرجت مع الجنود الاميريكيين على ظهر دبابة اميريكية عبر رحلة استغرقت ستة ساعات من العراق الى اول نقطة داخل الكويت على الحدود بين البلدين. لقد جالت بذهنى خواطر قديمة عن العراق والكويت بدات عام 19991 عندما كنت أتعامل من داخل استديو اخبار تلفزيون السودان مع حرب اخراج القوات العراقية من الكويت. كتبت خواطر واجلت نشرها واعتقد انها قد تصلح الان ونحن نشهد الذكرى العاشرة للحرب الاميريكية فى العراق.
الكويت والعراق وتناوب الاحداث
----------------------------------
أشرقت شمس الخامس عشر من ديسمبر هنا فى مدينة الكويت بلون مدهش. فالسماء بدت محمرة فى اتجاه الشروق، ورويدا رويدا تمكنت الشمس من ايجاد طريقها للخروج. لقد أدهشنا انبلاج الشمس بعد ان كنا قبل ذلك بساعات نبحث عنها وهى تتوارى خلف سحب لندن التى لا تبرح سماوات بريطانيا العظمى مطلقا.
لقد أتينا الى الكويت برفقة زميلنا المصور شك تيمان الذى كان فى المدينة نفسها عام ١٩٩١ يغطى عمليات القوات الاميركية لإخراج القوات العراقية من الكويت اما زميلتنا المنتجة جوان سولى فقد كان عمرها إبان حرب الخليج الاولى عشر سنوات. قالت لى ان الوضع هذه المرة يبدو لها حقيقة كاملة وستنسحب القوات الاميركية من العراق .
لقد شاهدت جوان سولى القوات الاميركية تطارد القوات العراقية قبل عشرين سنة لإخراجها من حيث أشرقت الشمس هنا فى الكويت وكانت صبية تعيش مع عائلتها فى مدينة دبى وهى لا تعرف من مبررات الحرب سوى مشاهد الرعب التى تملكتها حينها جراء دوى القصف وازيز المقاتلات الاميريكية العملاقة.
الان يتحول معسكر فيرجينيا فى اطراف مدينة الكويت الى احد المراكز الرئيسية التى تستقبل القوات الاميركية المنسحبة من العراق بعد ان أتمت حربا دامت اكثر من تسع سنوات لم تكن بهدف اخراج صدام حسين من الكويت بل كانت بهدف اخراج صدام حسين من العراق.
عندما تمكنت شمس الكويت من طى اخر خطوط الشفق الأحمر واكتمل شروق الصبح كان ذهنى قد طوى حزمة من الخواطر جالت به وهو يتأمل روعة الشروق. لقد احتل الرئيس الراحل صدام حسين الكويت فاخرجه منها الرئيس الاميركى جورج بش الاب ثم أتى جورج بش الابن ليحتل العراق و ينتهى الامر بالرئيس صدام حسين الى حبل المشنقة ثم نحن الان فى الكويت ومن داخل قاعدة عسكرية أميركية كبيرة ننتظر عودة تلك القوات اليها اولا. هل يخالجها إحساس يعود بها الى مطلع التسعينات ؟ وكيف هو الامر بالنسبة للكويتيين انفسهم الذين يحتفظون بذكريات ومشاهد أليمة من يوميات الاجتياح العراقى آنذاك؟
" اعتقد ان الوضع اختلف الان كثيرا عما رايته خلال دخولى الكويت عام ١٩٩١ لتغطية اخراج القوات العراقية منها " يقول زميلى المصور شك تيمان ويضيف مقارنا انه وجد الكويت ابان الاحتلال العراقى اشلاء خربة وانها الان بلد مزدهر تنتظمه تنمية عمرانية تمكنت من بناء اغلب ما دمره الاجتياح العراقى ثم تساءل الزميل شك " لقد اتت القوات الاميريكية الى الكويت قبل عشرين عاما لتحريرها من قوات صدام حسين وهى ستعود مجددا الى الكويت من العراق بعد ان قضت على صدام حسين . هل ستعود الى هنا مزهوة بانجاز ما يعتقد البعض انها لم تنجزه فى عام ١٩٩١ وهو القضاء على صدام حسين ؟ "
لم نلق بالا كبيرا للإجابة على ذلك السؤال بل تركناه ليودع فى سجلات الحرب الاميركية العراقية التى استمرت ثلاثين سنة بدات عام ١٩٩١ وانتهت فى عام ٢٠١١ لعل المؤرخين يستطيعون كشف أسرارها عندما يحين وقت رفع السرية عن يومياتها ومراحل اتخاذ القرار السياسى بشانها.
سيستقبل معسكر فيرجينيا فى مدينة الكويت اخر جندى اميريكى منسحب من العراق وهو حدث تاريخى كما اجمع الاميريكيون الذين يعتقدون انه سيضع حدا لواحدة من اكثر الحروب جدلا فى التاريخ الاميريكى المعاصر. فهى شكلت خلال سنواتها العشر تقريبا استنزافا ماليا مهولا للخزانة الاميريكة بنفقاتها التى قاربت ترليون دلار اضافة الى الخسائر البشرية فى صفوف الاميريكيين العسكريين والتى بلغت حوالى اربعة الاف وخمسمائة قتيل وحوالى اربعين الف جريح
بجانب مقتل اكثر من ألفى موظف مدنى اميريكى.
http://www.bbc.co.uk/ariel/16301982