منتدى شباب السودان المبدع
مرحبا بك ايها الزائر نرحب بك و يشرفنا ان تكون عضوا معنا بتسجيلك


في منتدى شباب السودان المبدع

نتمنا لك زيارة سعيده والمشاركة معنا وتقبل تحيات فريق الادارة
منتدى شباب السودان المبدع
مرحبا بك ايها الزائر نرحب بك و يشرفنا ان تكون عضوا معنا بتسجيلك


في منتدى شباب السودان المبدع

نتمنا لك زيارة سعيده والمشاركة معنا وتقبل تحيات فريق الادارة
منتدى شباب السودان المبدع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


. *”˜.•°*”˜•منتدى••.•°*”˜ شباب السودان ˜”*°•المبدع. ˜”* °•.˜”* صفحتنا. *”˜˜”*°•. ˜”*°••••••°*”˜ .•°*”˜˜”*°•. تضم أفضل الأعضاء *”˜˜”*°•. ˜”*°••••••°*”˜ .•°*”˜˜”*°•.
 
الرئيسيةالأحداثتي في قرانالمنشوراتأحدث الصوردخولالتسجيلالمنتدي الاسلامىموقعنا على الفيس بوك

 

 فن التأمل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mohamed moneer justin
نائب المدير
نائب  المدير



عدد المساهمات : 5
تاريخ التسجيل : 10/10/2011
العمر : 33

فن التأمل Empty
مُساهمةموضوع: فن التأمل   فن التأمل I_icon_minitimeالإثنين أكتوبر 10, 2011 2:55 pm

فن التأمل




مقدمة
هل تفكرت يوماً في حقيقة وجودك، كيف حملتك أمك ثم ولدتك، فجئت إلى هذا العالم ولم تكن من قبل شيئاً؟
هل تأملت يوماً كيف تنبت تلك الأزهار المزروعة في أحواض غرفة الجلوس من قلب تراب أسود فاحم موحل بألوان زاهية وشذىً عطر؟
هل شغلك انزعاجك من طيران البعوض حولك عن التفكر كيف إنها تحرك أجنحتها بسرعة فائقة تجعلك غير قادر على رؤيتها؟
هل تفكّرت يوماً بأن قشور الفاكهة المهملة هي في حقيقتها أغلفة حافظة عالية الجودة، وبأن هذه الفاكهة - كالموز والبطيخ والبرتقال مثلاً- موّظبة في داخلها بطريقة تحفظ طعمها وشذاها؟
هل تدبّرت يوماً كيف يمضي العمر حثيثاً، فتذكرت أنك سوف تشيخ وتصبح ضعيفاً وتفقد جمالك وصحتك وقوتك؟
هل فكرت في ذلك اليوم الذي سوف يرسل الله فيه ملائكة الموت لترحل معهم عن هذا العالم؟
هل تساءلت يوماً لماذا يتعلق الناس بدنيا فانية فيما هم بحاجة ماسة إلى المجاهدة من أجل الفوز بالآخرة؟
إن الإنسان هو المخلوق الذي أنعم الله عليه بملكة التفكير، ومع ذلك فإن معظم الناس لا يستخدمون هذه الملكة المهمة كما يجب، حتى أن بعض الناس يكاد لا يتفكر أبداً!..
في الحقيقة كل إنسان يمتلك قدرة على التفكر هو نفسه ليس على دراية بمداها، وما إن يبدأ الإنسان باستكشاف قدرته هذه واستخدامها، حتى يتبدى له الكثير من الحقائق التي لم يستطع أن يسبر أغوارها من قبل. وهذا الأمر في متناول أي شخص، وكلما استغرق الإنسان في تأمل الحقائق، كلما تعززت قدرته على التفكر. ولا يحتاج الإنسان في حياته سوى هذا التفكر الملي والمجاهدة الدؤوبة من بعده..

إن الهدف من هذا الكتاب هو دعوة الناس إلى" التفكير كما ينبغي"، وإبراز الوسائل التي تساعدهم على ذلك. فالإنسان الذي لا يتفكر يبقى بعيداً كليّاً عن إدراك الحقائق ويعيش حياةً قوامها الإثم وخداع الذات، وبالتالي فإنه لن يتوصل إلى مراد الله من خلق الكون، ولن يدرك سبب وجوده على الأرض.. فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء لسبب، وهذه حقيقة ذكرها عز وجل في القرآن الكريم بقوله: ?وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون? الدخان: ]38-39[. وقوله:?أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون?] المؤمنون: 115[
إذاً على كل إنسان أن يتفكر في الغاية من خلقه لأن ذلك له علاقة مباشرة به أولاً، وبكل ما يراه حوله في الكون وكل ما يعرض له في حياته تالياً. إن الإنسان الذي لا يتفكر، لا يدرك الحقائق إلا بعد الموت حين يقف بين يدي ربه ليلقى حسابه، وحينها يكون الأوان قد فات. والله تعالى يذكر في محكم كتابه إن كل الناس سوف يتفكرون عندما يعاينون الحقيقة في يوم الحساب ?وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنّى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي? ]الفجر: 23-24 [
لقد أعطانا الله جلّ وعلا الفرصة للتفكر واستخلاص العبر ورؤية الحقائق في هذه الحياة الدنيا لنفوز فوزاً عظيماً في الآخرة، فأنزل الكتب السماوية، وأرسل الرسل داعياً الناس عبرهم للتفكر في أنفسهم وفي خلق الكون من حولهم.?أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى، وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون? الروم:8
الفصل الأول

التفكّر العميق
معظم الناس يظن أن "التفكر العميق" يقتضي من الإنسان أن يعتزل المجتمع ويقطع علاقاته بالناس ثم ينسحب إلى غرفة خالية ويضع رأسه بين يديه و... إنهم يصنعون من التفكر العميق قضية صعبة جداً، تجعلهم يخلصون إلى القول بأن الأمر سمة خاصة بالفلاسفة فقط.. مع أن القضية أبسط من ذلك بكثير، فكما ذكرنا في المقدمة فإن الله تعالى يدعو جميع عباده ليتفكروا ويتدبروا خاصة في آيات القرآن الكريم الذي أنزله الله لهذا الغرض. يقول جل وعلا:? كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب? ]ص:29 [، ويمتدح الله تعالى عباده الذين يقودهم تدبّرهم وتفكّرهم إلى إدراك الحقيقة وبالتالي إلى مخافته سبحانه. فالمهم في الأمر كله إذاً أن يستطيع الإنسان تطوير ملكة التفكر عنده وتعميقها أكثر فأكثر.
إن الإنسان الذي لا يبذل جهده في التفكر والتدبر والتذكر يعيش في حالة دائمة من الغفلة، وحالة الغفلة التي يعيشها أولئك الذين لا يتفكرون، بما توحيه كلمة الغفلة من التجاهل مع عدم النسيان والانغماس في الشهوات والوقوع في الإثم والاستخفاف والإهمال، هي نتيجة من نتائج تجاهلهم وتناسيهم للغاية من خلقهم ولكل الحقائق التي يعلمه إياها الدين، وهذا الأمر عظيم وخطير ومؤداه في النهاية إلى نار جهنم؛ لذلك حذرنا القرآن الكريم أن نكون من الغافلين، فقال تعالى:?واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين?] الأعراف:205 [وقال:?وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون? ]مريم:39 [.
ويبين الله تعالى زيغ الذين يتبعون ما ألفوا عليه آباءهم إتباعا أعمى دون أن يفكروا بما يحمله التقليد من ضلال، ولو نوقشوا في أمرهم لأجابوا فوراً بأنهم مؤمنون بالله ملتزمون بتعاليمه، لكن بما أنهم لم يعقلوا فيتفكروا ويتدبروا ويتّعظوا فإن إيمانهم هذا لم يؤدّ بهم إلى الصلاح وبالتالي إلى مخافة الله الحقة.إن عقلية هؤلاء البشر تظهر بوضوح من خلال الآيات التالية:?قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل أفلا تذكرون. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون . قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنّى تسحرون? ]المؤمنون: 84-90[

التفكر يبطل السحر عن الناس
في الآيات السابقة يسائل الله تعالى الناس?قل فأنّى تسحرون? تسحرون في الآية الكريمة تعني حالة من الجمود العقلي تسيطر بشكل كامل على بعض الناس، فيغشى بصر من يصاب بها ويتصرف وكأنه لا يرى الحقائق أمام عينيه، وتضعف قدرته على التمييز والحكم على الأمور، ويصبح غير قادر على إدراك الحقائق المبسطة، كما يغفل عن ما يدور حوله من أمور غير اعتيادية وتخفى عنه دقائق الأحداث. هذا الجمود العقلي هو الذي أدى إلى أن يعيش البشر منذ آلاف السنين حياة الغفلة بعيدين كلياً عن التفكر والتدبر والاعتبار. ويمكن لهذا المثال الذي سنذكره الآن أن يوضح لنا تأثير هذا السحر الذي حل بشكل جماعي على الأمم:
كلنا يعرف أن هناك طبقة أرضية تسمى "الصهارة" تحتوي مواد مذابة على درجة عالية جداً من الغليان تكمن مباشرة تحت القشرة الأرضية؛ وبما أن القشرة الأرضية رقيقة جداً ويمكن مقارنة سماكتها بالنسبة إلى الكرة الأرضية ككل بسماكة قشرة التفاحة بالنسبة إلى التفاحة كلها، فإننا قريبون جداً من الانفجار الذي قد يحدث لهذه الطبقة، فهو تقريباً تحت أقدامنا، ومع ذلك فمعظم الناس لا يتدبرون هذا الأمر، تماماً كما أن أهلهم وإخوانهم وأقاربهم وأصدقاءهم، وجميع وسائل الإعلام ومنتجي البرامج التلفزيونية، وأساتذة الجامعات، لا يتنبهون إلى هذا الأمر. ولكن لو افترضنا أن شخصاً مصاباً بفقدان الذاكرة الكلي، يحاول إعادة بناء ذاكرته والاستعلام عن محيطه عبر طرح الأسئلة على الناس من حوله، فمن المفترض أن أول سؤال سوف يتبادر إلى ذهنه، أين أنا؟ ماذا لو قيل له انه يقف على عالم من النار الملتهبة، وأن هذا اللهب يمكن أن يتفجر على سطح الأرض فيما لو حدثت أية هزة أرضية أو ثورة بركانية.
ولو افترضنا أن نفس الشخص أخبر بأن هذا العالم الذي يعيش فيه مجرد كوكب يسبح في فجوة مظلمة مترامية الأطراف تسمى الفضاء، وهذا الفضاء يختزن هو الآخر طبقة ملتهبة أعظم خطراً من تلك الكامنة تحت سطح الأرض، تتحرك فيها -على سبيل المثال- آلاف الأطنان من النيازك الحارقة بحرية تامة وليس هناك ما يمنعها أن تحيد عن مسارها وتصطدم بالأرض، بتأثير جاذبي من كوكب آخر -مثلاً- أو لأي سبب آخر.
إزاء كل هذه الحقائق لن يستطيع هذا الشخص أن ينسى خطورة الوضع الذي يعيش فيه، ولسوف يبدأ بالتساؤل: كيف يمكن للناس أن يعيشوا في هذا المحيط، مع كل ما يكتنفه من مخاطر، ويتمسكوا به ويعضّوا عليه بالنواجذ؟! لكنه سوف يدرك فيما بعد أن هناك نظاماً متكاملاً قد أخذ حيّزه من الوجود. فرغم الخطر الكامن داخل الكوكب الذي يعيش فيه، هناك توازن دقيق يمنع هذا الخطر من إلحاق الضرر بالناس، إلا في ظروف استثنائية، وهذا الإدراك سيجعله يفهم أن الأرض ومن عليها من مخلوقات إنما تستمد وجودها وتعيش بأمان بإرادة الله تعالى وحده الذي أوجد هذا النظام المتكامل للحياة.
هذا واحد من ملايين، بل بلايين، الأمثلة التي يجب أن يتفكر فيها البشر. ولعل إعطاء مثال آخر يساعدنا على أن ندرك كم تؤثر الغفلة على قدرة الناس على التفكر وتحد من قدراتهم العقلية.
يعلم الناس أن الحياة الدنيا فانية وأن العمر يمضي حثيثاُ ومع ذلك فإنهم يتصرفون وكأنهم لن يبارحوا هذا العالم وأنهم مخلدون. وهذا في الحقيقة نوع من السحر تعاقبت على حمله الأجيال، وله تأثير بالغ عليهم لدرجة أنه عندما يتحدث شخص ما عن الموت فإن الناس يقفلون الموضوع مباشرة لأنهم يخافون أن يبطل هذا الحديث السحر عنهم ويضعهم في مواجهة الحقائق.
أولئك الناس الذين بددوا حياتهم كلها في شراء سيارة ومنزل جميل وآخر لقضاء العطلة الصيفية والبحث عن مدارس ذات مستوى ليرسلوا أبناءهم إليها، تناسوا أنهم سوف يموتون في يوم من الأيام ويخلّفوا وراءهم البيوت والسيارات والأولاد، وتركوا التفكير بما يجب أن يقدموا للحياة الحقيقية بعد الموت. إن الموت قادم لا محالة، وكل الناس سوف يموتون حتماً عاجلاً أم آجلا ، واحداً تلو الآخر، سواء صدقوا ذلك أم لا، وبعد ذلك تبدأ الحياة الأبدية لكل منا، إما إلى الجنة أو إلى النار، فالأمر يعتمد على ما أسلف الإنسان في هذه الحياة القصيرة. ومع أن هذه الحقائق واضحة كعين الشمس، فإن السبب الوحيد الذي يجعل الناس يتعاملون مع الموت وكأنه غير موجود، هو ذلك السحر الذي سيطر عليهم لأنهم أعرضوا عن التفكر.
إن الذين لا يؤدي بهم التفكر إلى إنقاذ أنفسهم من هذا السحر وبالتالي من حياة الغفلة سوف يفهمون الحقائق عندما يرونها رأي العين بعد الموت، قال تعالى:? لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد? ]ق:22[
فكما يقول الله تعالى في الآية الكريمة فإن البصر الذي تكتنفه الغشاوة في الحياة الدنيا بسبب عدم التفكر، ولكنه سيكون حاداً عندما يحاسب الإنسان في الآخرة بعد الموت.
وجدير بالذكر في هذا المقام أن الناس هم الذين يفرضون على أنفسهم هذا النوع من السحر بملء إرادتهم لأنهم يظنون أنهم بهذه الطريقة سوف يعيشون حياة رغد واسترخاء. لكن من السهل جداً اتخاذ قرار التخلص من الجمود العقلي وعيش الحياة بوعي وإدراك، فلقد قدم الله تعالى الحلول للناس، فالذين يتفكرون يستطيعون بكل سهولة أن يبطلوا عن أنفسهم هذا السحر فيما هم على قيد الحياة، ويفهموا كل ما يدور حولهم من الأحداث والغاية منها ودقائق معانيها، والحكمة مما يقضيه الله من أمور في كل لحظة.

التفكر ممكن في أي زمان وأي مكان
إن التفكر والتدبر لا يستدعيان مكاناً أو زماناً أو شروطاً محددة، فالإنسان يمكن أن يتفكر ويتدبر خلال المشي في الشارع، عند توجهه إلى مكتبه، خلال قيادته لسيارته، أو خلال عمله أمام شاشة الكومبيوتر، أو خلال جلسات السمر مع أصدقائه، وربما خلال مشاهدة التلفزيون أو حتى خلال تناول الطعام.
فخلال قيادة السيارة مثلاً يمكن رؤية مئات الأشخاص في الشوارع، وعندما ينظر الإنسان إلى هؤلاء الأشخاص يمكنه أن يتفكر في أمور شتى، فلربما انصرف ذهنه إلى الاختلاف الكامل في المظهر بين هؤلاء الناس، فليس هناك واحد منهم يشبه الآخر! كم هو مذهل هذا الاختلاف في المظهر بين الناس الذين لديهم نفس الأعضاء من العيون إلى الحواجب إلى الرموش والأكف والأيادي والأرجل والأفواه والأنوف.. ولو استغرق الإنسان في التفكير أكثر لتذكر أن الله قد خلق الألوف من البشر عبر بلايين السنين وكل واحد منهم مختلف عن الآخر، وما ذلك إلا دليل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى. والذي يراقب كل هؤلاء الناس يحثّون الخطى؛ تتجاذبه أفكار شتى، فللوهلة الأولى يبدو أن كل واحد من هؤلاء هو نسيج وحده، له عالمه الخاص وأمنياته ومشاريعه وذوقه وأسلوبه في العيش، وأمور تفرحه وأخرى تحزنه.. ولكن هذه الخلافات بين البشر ليست أساسية، فبشكل عام كل إنسان يولد ويكبر ويتعلم ثم يتزوج وينجب الأولاد ويزوجهم فيصبح جدّاً أو جدة ثم يتوفى في النهاية.. من هذه الناحية ليس هناك اختلاف كبير في حياة الناس، سواء كانوا يعيشون في حي في استانبول أو في مدينة في المكسيك، فإن ذلك لن يغير شيئاً ، فكل هؤلاء الناس سوف يموتون وربما بعد قرن من الزمان لن يبقى منهم أحد على قيد الحياة. ومن يدرك هذه الحقائق لا بد أن يسأل نفسه: بما أننا في يوم من الأيام سوف نموت جميعاً لماذا يتصرف الناس وكأننا لن نبارح هذا العالم؟ ولماذا يتصرف من أدرك حتمية موته وكأن هذه الحياة الدنيا لن تنتهي في حين يجدر به أن يجاهد من أجل الفوز بالآخرة؟!
وفي حين أن غالبية الناس لا تتفكر بهذه الأمور فإن من توصل إلى التفكر بها سيخلص إلى نتائج حاسمة. فلو سئل معظم الناس بشكل مفاجئ : بماذا تفكرون في هذه اللحظة؟ سوف يظهر بوضوح أنهم يفكرون بأمور ليست ذات بال ولا تعود عليهم بالنفع. وعلى كل حال، فإن كل إنسان يمكن أن يتفكر بحكمة في أمور مهمة وذات قيمة ومعنى ويتدبرها ويخلص إلى نتائج من وراء ذلك. ويعلمنا القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين أنهم يتفكرون ويتدبرون ليخلصوا إلى النتائج التي تعود بالنفع عليهم.?إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذي يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار? آل عمران: 190-191 فكما تخبرنا الآيتان الكريمتان فإن تفكر المؤمنين مكّنهم من رؤية جانب الإعجاز في الخلق وتمجيد حكمة الله وعلمه وقدرته.

إخلاص النية لله عند التفكر
من أجل أن يعود التفكر بالنفع على الإنسان ويهديه إلى جادة الحق، يجب عليه أن يفكر دائماً بطريقة إيجابية. هناك فرق كبير بين من ينظر إلى شخص حباه الله بحسن الهيئة من منظار عقدة النقص الناشئة عن عدم التكافؤ في المظهر الخارجي بينهما، فيشعر بالغيرة ويؤدي به تفكره إلى ما لا يرضي الله، وبين من يسعى إلى مرضاة الله فينظر إلى هذا الشخص على أنه جمال من خلق الله، ويعتبر حسن هيئته برهاناً على كمال الله في خلقه، فيشعر بسعادة غامرة ويدعو الله أن يزيد هذا الإنسان جمالاً في الآخرة، كما يدعو لنفسه أن يرزقه الله الجمال الأبدي في دار الخلود، ويفهم أن الإنسان لا يمكن أن يكون كاملاً في الحياة الدنيا، لأن حياتنا هذه خلقت غير كاملة كجزء من ابتلائنا فيها، وبذلك كله يزيد توقه وتطلعه إلى الفوز بالجنة. وهذا كله مثال واحد على الإخلاص في التفكر، ولسوف يعرض للإنسان الكثير من الأمثلة المشابهة في حياته، خاصة وأنه في امتحان دائم ليرى أن كان سيسلك سلوكاً حسناً ويفكر بأسلوب يرضي الله.
إن نجاح الإنسان في امتحان التفكر، وكون التفكر سيعود عليه بالنفع في الآخرة يعتمد على التدبر والاعتبار من الدروس والتحذيرات التي يستخلصها أثناء تفكره، ولذلك فإن من الضرورة بمكان أن يتفكر الإنسان بصدق دائماً. قال تعالى:?هو الذي يريكم آياته وينزّل من السماء رزقاً وما يتذكر إلا من ينيب? ]غافر:13[.
الفصل الثاني
بماذا يتفكر الناس عادة؟
ذكرنا سابقاً أن الناس لا يتفكّرون ولا يطوّرون قدرتهم على التفكر، وبالإضافة إلى ذلك يجب توضيح نقطة هامة. بالطبع هناك أشياء كثيرة تخطر على بال الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته، فبالكاد تمر دقيقة يكون عقل الإنسان فيها خالياً، باستثناء ساعات النوم. لكن معظم هذه الأفكار عديم الفائدة ولا طائل تحته وغير ضروري؛ فهي لا تنفع في الآخرة ولا تؤدي إلى أي مكان ولا تقدم أية منفعة.
فإذا حاول الإنسان أن يتذكر بماذا فكر خلال النهار ثم سجّله ليراجعه في آخر النهار سيدرك كم أن معظم أفكاره لا جدوى لها، وحتى لو وجد بعضها نافعاً فمن الأرجح أن يكون مخطئاً في تقديره. فبشكل عام الأفكار التي تبدو صحيحة قد لا يكون لها أي نفع في الآخرة.
وتماماً كما يضيّع الناس أوقاتهم في حياتهم اليومية بمعالجة أمور تافهة، فإنهم كذلك يمضون يومهم في اللغو منجرفين في أفكار غير ذات جدوى. وفي قوله تعالى:?قد أفلح المؤمنون.الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون? ]المؤمنون:3[ ينصح الله تعالى الناس أن يكونوا أقوياء العزيمة في إعراضهم هذا. وبالتأكيد فإن أمر الله هذا يصح أيضاً على أفكار الناس. هذا لأننا إذا لم نسيطر على أفكارنا بوعي فإنها سوف تظل تنساب في عقولنا بشكل متواصل، فيقفز الإنسان دون وعي من فكرة إلى أخرى. فمثلاً، خلال التفكير بالأشياء التي سوف يتسوّقها في طريقه إلى البيت يجد نفسه فجأة يفكّر بأشياء أخبره بها صديق قبل سنة أو سنتين: هذه الأفكار غير المضبوطة وغير النافعة قد تستمر دون اعتراض خلال النهار كله.
إلا أن السيطرة على التفكير ممكنة. فكل منا يمتلك القدرة على التفكير بأشياء تفيده وتفيد إيمانه، وعقله، وتحسّن كياسته وإحاطته بالأمور.
وفي هذا الفصل سوف نذكر كل أنواع الأفكار التي يفكّر بها الغافلون بشكل عام. والغاية من ذكر هذه الموضوعات بالتفصيل أن يتنبّه الذين يقرؤون هذا الكتاب فوراً عندما تمر أشياء مماثلة في أذهانهم - حين يكونون في طريقهم إلى العمل أو المدرسة أو حين يزاولون أعمالهم اليومية - فوراً إلى أنهم يفكّرون بأمور غير مجدية فيسيطروا على أفكارهم ويتفكّروا في أمور تعود عليهم بالنفع حقيقة.
مخاوف غير ذات نفع
عندما يفشل الإنسان في السيطرة على أفكاره وتوجيهها نحو البلوغ به إلى حسن الختام، فإنه قد يشعر بالتخوف من شرور مرتقبة أو يتعامل مع الأحداث التي لم تحصل وكأنها حصلت بالفعل، فيقوده ضلاله إلى الحزن والكرب والخوف والقلق.
فمن عنده شاب يدرس لامتحان جامعي، مثلاً، قد يخترع سيناريوهات لما قد يحصل فيما لو رسب ولده في الامتحان قبل أن تجري الامتحانات: "إذا رسب ابني في الامتحان، فإنه لن يستطيع أن يجد وظيفة جيدة في المستقبل يكسب منها ما يكفي من المال، ولن يكون قادراً على الزواج، ولو تزوج سيستطيع تحمل مصاريف حفل الزفاف؟.. إذا فشل في الامتحان فإن كل ما صرف من مال على الفصول التحضيرية سوف يذهب هباء، وفوق هذا سوف نكون محتـقرين في أعين الناس... ماذا لو نجح ابن صاحبي ورسب ابني..."
وسوء الفهم هذا سوف يستمر ويستمر، مع أن ابن هذا الشخص لم يخضع للامتحان بعد. وخلال حياته كلها لا يمكن للإنسان البعيد عن الدين أن يقاوم مثل هذه المخاوف التي لا ضرورة لها، وهذا بالتأكيد له سببه. ففي القرآن ذكر السبب الذي يجعل الناس غير قادرين على التحرر من هذا القلق هو أنهم يعيرون سمعاً لوساوس الشيطان، إذ يقول الشيطان?ولأضلنّهم ولأمنينّهم..? ]النساء:119 [ .
وكما يرى في الآية أعلاه فإن من يشغل نفسه بمخاوف لا جدوى منها، وينسى الله تعالى ولا يفكّر بصفاء، يكون دائماً عرضة لوساوس الشيطان. وبكلمات أخرى إذا كان الإنسان مخدوعاً بهذه الحياة الدنيا لا يستعمل قوة إرادته ويتصرف بوعي، وإذا سمح لنفسه بالانجراف بمجرى الأحداث فإنه يصبح تحت سيطرة الشيطان بشكل كامل. فإقلاق
ولذلك فإن التشاؤم وسوء الفهم والمخاوف المتحكمة في الذهن مثل "ماذا سأفعل إذا حصل كذا وكذا" سببها وساوس الشيطان.
والله سبحانه وتعالى يعلم الناس الطرق التي تقيهم من هذا الوضع. ففي القرآن ينصح الله الناس باللجوء إليه إذا نزغهم من الشيطان نزغ فيقول:"إن الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون. وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثم لا يقصرون? ]الأعراف 201 - 202[ .
وكما هو مذكور في الآية فإن من يتفكّر يدرك الصواب ومن لا يتفكّر يمضي إلى حيث يجره الشيطان. المهم أن نعرف أن هذه الأفكار لن تنفع الإنسان بل على العكس سوف تمنعه من التفكير بالحقيقة، والتفكر بأمور مهمة وبالتالي تطهير ذهنه من الأفكار غير المجدية. فلا يمكن للإنسان أن يتفكّر بطريقة صائبة إلا إذا حرر ذهنه من الأفكار التافهة. وبهذه الطريقة "يعرض عن اللغو" كما يأمر الله تعالى في القرآن.
الفصل الثالث
ما هي الأسباب التي تمنع الناس من التفكر؟
هناك عوامل عديدة تمنع الناس من التفكر، مجموع هذه العوامل أو بعض منها، أو حتى واحد فقط قد يعيق تفكر الإنسان ويمنعه من إدراك الحقائق. لذلك يجب عليه أن يحدد العوامل التي تؤثر فيه سلباً ليتخلص منها، وإلا فإنه لن يستطيع أن يرى الوجه الحقيقي لهذه الحياة الدنيا، فيخسر خسراناً مبيناً في الآخرة.
والله سبحانه ينبئنا عن حال أولئك الذين تعوّدوا أن يفكروا بسطحية، فيقول تعالى?يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيراً من الناس بلقاىء ربهم لكافرون? ]الروم: 7-8[.
وفيما يلي بعض العوامل التي تمنع الناس من التفكر:
إتباع الأكثرية يؤدي إلى الجمود العقلي:
اعتقاد الناس أن ما تفعله الأكثرية بينهم هو الصحيح، من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الضلال. فالإنسان عادة يفضل قبول ما تعلمه من الناس من حوله على البحث عن الحقيقة عبر التفكر، ويرى أن الأشياء التي تبدو غريبة للوهلة الأولى، يعتبرها الناس عادية لدرجة أنهم لا يتنبهون إليها، لذلك فإنه بعد فترة يبدأ بالاعتياد عليها. مثال على ذلك: كثير من الناس حولنا لا يسلّم بأننا سنموت في يوم من الأيام، حتى إنهم لا يسمحون لأحد بالتحدث عن هذا الموضوع كي لا يذكرهم بالموت. وعندما ينظر المرء حوله ويرى كيف يتصرف الناس فإنه يقول في نفسه: بما أن هذا حال كل الناس، لن يضيرني أن أتصرف بنفس الطريقة، فيعيش حياته دون أن يتذكر الموت أبداً، ولو أن الناس من حوله خافوا الله وجاهدوا في سبيل الفوز بالآخرة حق جهاد، لكان في أغلب الظن غيّر تصرفه.
مثال آخر على ذلك: تنقل الصحف والتلفزيونات يومياً مئات الأخبار عن الكوارث والظلم والاضطهاد وغياب العدالة، وعن الجرائم وحالات الانتحار، كما تغطي حوادث السرقة وتأتي على ذكر أحوال آلاف المعوزين من البشر؛ ومع ذلك فإن كثيراً من الناس يطوون صفحات الجريدة، ويطفئون جهاز التلفاز وهم يشعرون بسكينة داخلية، وبشكل عام فإن الناس لا يتساءلون لماذا هذا الكم الهائل من تلك الأنباء، وماذا يجب فعله إزاء هذا الواقع؟ وما سبل الوقاية التي يجب اتخاذها لمنع وقوع مثل هذه الأمور؟ وماذا يمكنهم أن يفعلوا إزاء هذه المعضلات؟ بل إن معظمهم ينحو باللائمة على غيره متبعاُ مبدأ: "هل يتوقف عليّ إنقاذ العالم؟"
التكاسل الذهنيِ
التكاسل هو العامل الذي يمنع أغلبية الناس عن التفكر، وبسبب التكاسل الذهني يقوم الناس بأعمالهم بالطريقة التي تعوّدوا أن يروها دائماً دون تغيير. ولإعطاء مثال من خضم حياتنا اليومية، فإن ربات البيوت ينظفن بيوتهن بنفس الطريقة التي شاهدن والداتهن يقمن بها، وهنّ بشكل عام لا يتساءلن كيف يمكن إنجاز الأعمال بشكل أنظف وطريقة عملية أكثر، والأمر نفسه بالنسبة إلى الرجال، فلو احتاج شيء ما إلى إصلاح فإنهم يصلحونه بنفس الطريقة التي تعلموها منذ طفولتهم، ومعظمهم يرغب عن تطبيق أسلوب عملي جديد أكثر فاعلية. وأسلوب هذا النوع من الناس متشابه أيضاً، فالمحاسب مثلاً يتكلم بنفس الطريقة التي تكلم بها محاسب ما قابله في حياته.. والأمر كذلك بالنسبة إلى الأطباء والمصرفيين ومندوبي المبيعات.. وغيرهم من الناس الذين تجمعهم طبقة اجتماعية معينة فتكون لهم طريقة معينة في التحدث ولا يكلفون أنفسهم عناء التفكير للبحث عن طرق أفضل وأحسن وأصوب، إنما يقلدون ما سمعوه فقط!
كما أن الحلول المبتكرة للمشاكل تعكس كسلهم الذهني. فمثلاً، حارس مبنى ما يعالج مشكلة النفايات فيه تماماً كما كان يفعل من كان قبله، وعمدة مدينة ما يحاول حل مشكلة زحمة المرور عبر مراجعة ما فعله من كان قبله. وفي حالات كثيرة عدم التفكير يجعل صاحب المشكلة غير قادر على إيجاد حل.
طبعاً الأمثلة المذكورة أعلاه هي أمور يعاني منها الناس في حياتهم اليومية، ولكن هناك قضية أهم من ذلك وأعمق بكثير لو أخفق الناس في التفكير فيها، فقد يؤدي بهم ذلك إلى الخسران الأبدي المبين، والمقصود من هذا الكلام إخفاق المرء في التفكر في الغاية من وجوده في هذه الدنيا، وتجاهله لحقيقة أن الموت لا يمكن تفاديه، وأننا حتماً سنبعث بعد الموت. ففي القرآن يدعونا الله إلى التفكر في هذه الحقائق فيقول جلّ وعلا:? أولئك الذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون. لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون? ]هود: 21-24[ ويقول أيضاً:?أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكّرون? ]النحل:17[.
كثرة التفكير مضرّة!
هناك قناعة سائدة في المجتمعات أن التفكير العميق مضر! فتجد الناس يحذر بعضهم بعضاًَ بالقول: " لا تفكر كثيراً، و إلا فقدت صوابك"! وهذه بالطبع ليست إلا خرافة ابتدعها من نأوا بجانبهم عن الدين. ليس على الناس أن يتجنبوا التفكير ولكن عليهم أن يتجنبوا السلبية أو الانجراف في الوسوسة المبالغ فيها وسوء الفهم
ولأن أولئك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر يتفكرون دون أن يلزموا أنفسهم بالخير والصلاح، فيتفكرون، ولكن بطريقة سلبية، فإنهم يخرجون من تأملاتهم بخلاصات لا تعود عليهم بأي نفع. فمثلاً، هم يتفكرون في كون الحياة الدنيا مؤقتة، وفي حتمية الموت في يوم من الأيام، ولكن هذا الأمر يثير لديهم الكثير من التشاؤم، بعضهم يتشاءم لأنه يعلم أنه يمضي هذه الحياة المؤقتة في معصية الله، ويحضر نفسه لنهاية بائسة في الآخرة، وبعضهم الآخر يتشاءم لأنه يعتقد أن أثره سيتلاشى كلياً بعد الموت.
أما الشخص الحكيم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه يخرج بنتائج مختلفة تماماً عندما يتدبر في حقيقة هذه الدنيا الفانية.. فقبل كل شيء إدراكه لكون الحياة مؤقتة يدفعه إلى المجاهدة بشدّة من أجل حياته الحقيقية الأبدية في الآخرة. وبما أنه يعرف أن هذه الحياة سوف تنتهي عاجلاً أم آجلاً، فإنه لا ينجرف في طلب شهوات ومتاع الحياة الدنيا، بل على العكس من ذلك، فإنه يعرض عنها إلى أبعد الحدود.. لا شيء في هذه الدنيا الفانية يزعجه فهو دائماً راضً عمّا قسمه الله له من نعم وجمال، لأنه يعلّق آماله على الفوز بالحياة الأبدية المرضية. فقد خلق الله تعالى هذه الحياة الدنيا غير كاملة ليبتلي الناس، والمرء الذكي يفكر: إذا كان هذا العالم غير الكامل فيه هذا الكم من الجمال الذي يسعد الإنسان، فلا بد أن جمال الجنة فاتن إلى درجة تفوق الخيال، فتراه يأمل أن يعاين في الدار الآخرة منبع كل جمال يشاهده في هذه الدنيا. وهذه القناعات كلها لا تتأتى لديه إلا عبر التفكر العميق.
ولذلك فمن الخسارة بمكان قلق الإنسان من أن يصيبه التشاؤم إذا ما وصل إلى الحقيقة ، وبالتالي تفاديه التفكر، لأن الإنسان الذي يفكر دائماً بإيجابية، ويعلل النفس بالرجاء بفضل إيمانه بالله، ما من أمر يقوده إلى التشاؤم.
تفادي المسؤولية التي تترتب على التفكر
يظن معظم الناس أن بإمكانهم التملص من مختلف المسؤوليات عبر تفادي التفكر وتشغيل ذهنهم بقضايا معينة، وهم يحسبون أنهم إن فعلوا ذلك فسوف ينجحون بإبعاد أنفسهم عن كثير من الموضوعات. فواحدة من الطرق التي تخدع الناس تكمن في افتراضهم أن بإمكانهم التهرب من مسؤولياتهم تجاه ربهم عبر عدم التفكر، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الناس لا يتفكرون بالموت والبعث من بعده. أذا تفكر المرء أنه سيموت في يوم ما، وتذكر أن هناك حياة أبدية بعد الموت، فإنه بالضرورة سيجاهد بشدة لحياته بعد الموت.. لكن مع ذلك، ترى بعض النفس يخدع نفسه خداعاً عظيماً بافتراضه أنه تخلص من هذه المسؤولية عندما لا يتفكر في وجود الآخرة، فإذا لم يحرز الإنسان الحقيقة في هذه الحياة الدنيا فإنه سوف يفهمها عندما يدركه الموت الذي لا مهرب منه ?وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد? ]ق:19-20[ .
عدم التفكر بسبب الانجراف في تيار الحياة اليومية
غالبية الناس يقضون حياتهم كلها في"عجلة "، فعندما يصلون إلى سن معينة يتوجب عليهم العمل والاعتناء بأنفسهم وبأسرهم. ويسمون ما يفعلونه"كفاحاً من أجل الحياة" ويشكون من عدم وجود وقت لديهم ليفعلوا أي شيء إذ عليهم أن يندفعوا في سبيل كفاحهم هذا. وفي غمرة "ضيق الوقت" يصبح التفكر من الأشياء التي لا يمكنهم تخصيص أي وقت لها. ولذلك فإنهم ينجرفون إلى أي مكان يسحبهم إليه تيار الحياة اليومية. وبطريقة العيش هذه يفقدون الإحساس بالأمور التي تجري حولهم.
وعلى كل حال لا يجب أن يكون هدف الإنسان تبديد الوقت بالاستعجال من مكان إلى آخر. فالمهم أن يكون الإنسان قادراً على رؤية الوجه الحقيقي لهذه الحياة واتخاذ أسلوب للعيش وفقه. ولا يجب أن تقتصر غايات الإنسان على كسب المال، أو الذهاب إلى العمل أو الدراسة في الجامعة أو شراء منزل.. فقد يحتاج الإنسان بالتأكيد إلى القيام بهذه الأشياء، ولكن عليه عند القيام بها أن يضع نصب عينيه دائماً أن هدف وجوده هو أن يكون عبداً لله وأن يسعى لاكتساب مرضاته ورحمته ودخول جنته، وباقي الأعمال تنفع كوسائل تعين الإنسان على الوصول إلى غايته الحقيقية. أما اتخاذ هذه الوسائل كغايات حقيقية وأهداف محددة فإنه خداع كبير يضل به الشيطان الإنسان.
ومن يعيش دون أن يتفكر قد يجعل من هذه الوسائل غايته الحقيقية بكل سهولة. ويمكننا أن نضرب مثالاً على ذلك من حياتنا اليومية. فمما لا شك فيه أنه من الحسن أن يعمل وينتج أشياء ذات منفعة لمجتمعه. والمؤمن بالله ينجز مثل هذه الأعمال بحماس ويرجو الثواب من الله تعالى في الحياة بعد الموت. أما إذا قام إنسان بنفس العمل دون أن يذكر الله ولأساب دنيوية فقط مثل السعي وراء المنصب أو تقدير الناس فإنه يرتكب خطأً، لأنه حوّل أمراً ما من وسيلة لكسب مرضاة الله إلى غاية. وسوف يندم على فعلته عندما يواجه الحقائق في الآخرة. وفي الآية التالية يشير الله سبحانه وتعالى إلى أولئك الذين ينغمسون في هذه التصرفات في الحياة الدنيا بما يلي:?كالذين كانوا من قبلكم كانوا أشدّ منكم قوّة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذي من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون? ]التوبة:69[
النظر إلى كل شيء بعين العادة وبالتالي عدم رؤية أية حاجة للتفكر فيها
عندما يصادف الناس أموراً معينة للمرة الأولى قد يفهمون طبيعتها الاستثنائية مما قد يحفزهم على التحري أكثر عما يرونه. ويعد فترة تنشأ لديهم مقاومة اعتيادية لهذه الأشياء فلا تعود تؤثر بهم.
وبالتحديد فإن الأشياء والأحداث التي يلاقونها كل يوم تصبح عادية بالنسبة لهم.
فعلى سبيل المثال قد يتأثر من يدرس الطب تأثراً بالغاً عندما يرى جثة للمرة الأولى أو في المرة الأولى التي يموت فيها أحد مرضاه. مما يجعلهم يتأملون ملياً. ويمكن أن يكون السبب أنهم يواجهون إنساناً بلا حياة أشبه بالبضاعة، كان منذ دقائق مليئاً بالحياة يضحك ويخطط ويتكلم ويستمتع وتلمع عيناه بالحياة.. وعندما توضع الجثة أمامهم للتشريح للمرة الأولى فإنهم يتفكرون في كل شيء في هذه الجثة, يتفكرون بأن الجسد يفنى بسرعة كبيرة, وأنه تفوح منه رائحة نتنة، والشعر الذي كان جميلاً فيهما مضى يصبح غير جميل ولا يود أحد لمسه.. وبعد ذلك يتفكرون في أن مكونات كل الأجسام هي نفسها وكل واحد منا سيلاقي نفس النهاية, وأنهم هم أيضاً سينتهون إلى هذا الشكل.
ولكن بعد رؤية بضع جثث أو فقدان بضعة مرضى ينشأ لدى هؤلاء الناس مقاومة اعتيادية لأشياء محددة فيبدؤون بالتعامل مع الجثث وحتى المرضى وكأنهم أشياء.
وبالتأكيد هذا الوضع لا يصدق على الأطباء وحدهم, فغالبية الناس ينطبق عليها هذا الوضع في مناحي مختلفة من حياتهم. فمثلاً ينعم الله على إنسان يعيش في ظروف صعبة برغد العيش فإنه يفهم أن كل ما يمتلكه رحمة له. فسريره أصبح أكثر، ولبيته منظر جميل, ويمكنه أن يشتري ما يريد ويمكنه أن يدفئ منزله في الشتاء كما يرغب، وبإمكانه التنقل بسهولة بسيارة.. وغيرها من النعم كلها التي قسمت لهذا الإنسان، وبالنظر بوضعه السابق فإنه يبتهج بكل واحدة منها، ولكن من يمتلك هذه الأشياء منذ نعومة أظافره قد لا يتفكر في قيمتها كثيراً.ولا يمكنه تقدير هذه النعم إلا إذا أعاد التفكر فيها.
ومن الناحية المقابلة فالإنسان الذي يتفكر لا فرق عنده إذا سواء كان امتلاكه لهذه النعم منذ ولادته أو أنه أحرزها فيما بعد. فهو لا ينظر إلى ممتلكاته بطريقة اعتيادية إذ انه يعلم أن أي شيء يملكه قد خلقه الله وأن الله قادر على استرجاعه منه لو شاء. فمثلاً يدعو المؤمنون بالدعاء التالي عندما يركبون دوابهم, وهي السيارات في أيامنا هذه:? لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنّا إلى ربنا لمنقلبون ? ]الزخرف:13 [
وفي آية أخرى، يتعلم المؤمنون أن يقولوا إذا ما دخلوا حدائقهم: ما شاء الله لا قوة إلا بالله ]الكهف: 31[ وكلما دخلوها يتذكرون أن الله خلقها وهو يمدها بأسباب الحياة. أما بالنسبة للإنسان الذي لا يتفكر قد يتأثر عندما يرى جمال الحدائق ولكنها فيما بعد تصبح مكاناً عادياً بالنسبة له, ويتلاشى تقديره لجمالها.كما أن بعض الناس لا يلاحظون النعم أبداً لأنهم لا يتفكرون فيها، فهم يعتبرونها أموراً عادية من المفروض وجودها، ولذلك فإنهم لا يستطيعون استشفاف المتعة من جمالها.
خلاصة: من الضرورة أن يزيل الإنسان كل الأسباب التي تمنعه من التفكر
كما ذكرنا سابقاً فإن كون معظم الناس لا يتفكرون ويعيشون غافلين عن الحقيقة ليس عذراً كافياً لعدم التفكر. فكل إنسان هو فرد مستقل بنفسه ومسؤول أمام الله عن نفسه فقط. ومن المهم جداً أن نضع نصب أعيننا أن الله يبتلي الناس في هذه الحياة الدنيا، وعدم اهتمام الآخرين وكونهم من الناس الذين لا يتفكّرون ولا يعقلون ولا يرون الحقيقة هو جزء من ابتلائنا في معظم الأحيان. ومن يتفكر بصدق لا يقول:" إن معظم الناس لا يتفكرون وليسوا على اطلاع بهذه لأمور فلماذا يجب عليّ أن أتفكر وحدي؟" بل على العكس من ذلك فإنه يأخذ حذره من خلال تفكره في غفلة هؤلاء الناس ويلجأ إلى الله كي لا يكون واحداً منهم. فمن الواضح أن وضع هؤلاء الناس لا يمكن أن يكون عذراً له. وفي القرآن الكريم يعلمنا الله في الكثير من الآيات أن أكثر الغافلين لا يؤمنون.?وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين?] يوسف:103 [
?آلمر * تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ? ]الرعد:1[
?وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ?] النحل:38 [
?ولقد صرّفناه بينهم ليذّكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراّ ?] الفرقان:50 [
وفي آيات أخرى يبلغنا الله بنهاية هؤلاء الذي ضلّوا لأنهم اتبعوا الأغلبية ففشلوا في طاعة أوامره لأنهم نسوا الغاية من خلقهم ? وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل، أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير?
]فاطر:37[
لهذا السبب يجب على كل إنسان أن يتخلص من الأسباب التي تمنعه من التفكر، وأن يتفكر بصدق وإخلاص ويستخلص العبر والتحذيرات من تفكره.
وفي الفصل التالي سوف نناقش ما يمكن أن يتفكر فيه الإنسان من أحداث ومخلوقات يصادفها في حياته اليومية، وهدفنا أن تؤمن هذه الموضوعات لقراء هذا الكتاب أرشاداً يساعدهم على قضاء ما تبقى من حياتهم كأشخاص يتفكرون ويستخلصون العبر مما يتفكرون فيه.
الفصل الرابع
تلك الأشياء التي يجب أن نتفكّر فيها
من بداية هذا الكتاب، أشرنا إلى أهمية التفكر، والمنافع التي يجلبها للإنسان، والى كونه ملكةً مهمة جداً تميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات. كما ذكرنا أيضاً الأسباب التي تمنع الناس من التفكر. والهدف الرئيسي من ذلك كله تشجيع الناس على التفكر ومساعدتهم على إدراك الغاية من خلقهم وتعظيم قدرة الله وعلمه اللامحدودين.
في الصفحات التي تلي سوف نحاول أن نصوّر بماذا يمكن للإنسان المؤمن بالله أن يتفكر من خلال ما يمر به من أشياء يومياً، وما هي العبر التي يمكن أن يستخلصها من الأحداث التي يشهدها، وكيف يجب عليه أن يشكر الله ويتقرب إليه عندما يعاين علمه وإبداعه -سبحانه وتعالى- في كل شيء.
بطبيعة الحال ما سنذكره هنا لا يغطي إلا قسماً صغيراً من قدرة الإنسان على التفكر، فالإنسان عنده القابلية للتفكر في كل لحظة (ليس في كل ساعة ولا دقيقة ولا ثانية، بل في كل لحظة) من حياته. ومدى قدرته على التفكر واسع لدرجة يستحيل معها وضع حدود أو ضوابط له. والهدف مما سنذكره هو مجرد فتح الأبواب أمام الناس للاستفادة من ملكة التفكير عندهم كما يجب.
يجب أن تتولد في الذهن القناعة بأن الأشخاص الذين يتفكرون هم وحدهم القادرون على فهم وتقدير مختلف الأمور. وقد ذكر الله في الآيات الكريمة التالية حال أولئك الذين لا يبصرون الأمور الإعجازية من حولهم فلا يستطيعون التفكر فيها، فقال تعالى:?ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، صمُّ بكمُ عميُ فهم لا يعقلون?]البقرة: 171[ ?... لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون? ]الأعراف:179 [?أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً? ] الفرقان:44[ .
إن الذين يتفكرون يرون آيات الله والجوانب الإعجازية في المخلوقات وفي الأحداث، فيفهمون، وأمثالهم هم القادرون على استخلاص العبر من كل شيء حولهم، كبيراً كان أم صغيراً.
عندما يستيقظ الإنسان في الصباح...
لا يحتاج المرء إلى شروط خاصة للبدء بالتفكر، فمن اللحظة التي نستيقظ فيها من النوم، تجد الكثير من الأفكار طريقها إلينا، فهناك يوم كامل يمتد أمامنا، قلما نشعر خلاله بالتعب أو النعاس، ونكون على استعداد لمعاودة كل الأمور مرة أخرى. والتفكر بهذا يذكرنا بقوله تعالى:? وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشوراً ?]الفرقان:47[.
عندما نغسل وجوهنا أو نستحم نستجمع قوانا ونستعيد رشدنا بشكل كامل، وعندها نصبح على استعداد للتفكر في أشياء مفيدة، فهناك شؤون التفكر فيها أهم بكثير من التفكير ماذا سنتناول كفطور، أو في أي ساعة سنغادر المنزل! فقبل كل شيء كوننا استطعنا أن نستيقظ في الصباح معجزة عظيمة في حد ذاتها، فرغم كوننا فاقدي الوعي كلياً خلال النوم فإننا في الصباح نستعيد وعينا ووجودنا، وتخفق قلوبنا، ونتمكن من التنفس، والكلام والرؤية والمشي.. مع أنه ليس هناك ما يضمن أن هذه النعم ستعود إلينا في الصباح، أو إننا لن تصيبنا أي مصيبة خلال الليل. فلربما أدّى شرود أحد الجيران إلى تسرب غازي، فيوقظنا حدوث انفجار كبير، أو قد تحدث كارثة في المنطقة التي نعيش فيها نخسر على إثرها أرواحنا..وقد نتعرض لمشاكل أخرى في أجسامنا، فقد نستيقظ مصابين بآلام مبرحة في الكلى، أو الرأس ، ومع ذلك، لم يحدث شيء من هذا واستيقظنا في الصباح آمنين مطمئنين.. التفكر بهذه الأمور يجعلنا نشكر الله على رحمته بنا وحفظه لنا. فاستهلال النهار بصحة جيدة معناه أن الله يعطينا فرصة أخرى لتحقيق المزيد من أجل آخرتنا.
لذلك، فإن أفضل ما نفعله أن نمضي يومنا في مرضاته سبحانه وتعالى، ونجعلها قبل كل شيء، فنخطط لإبقاء أذهاننا مشغولة بمثل ما ذكرناه من أفكار. ونقطة البداية في تحصيل مرضاة الله، سؤله أن يعيننا في أمرنا هذا، ودعاء سيدنا سليمان عليه السلام مثال جيد لكل المؤمنين:?ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين?]النمل:19[.
بماذا يجعلنا ضعفنا نتفكر؟
ملاحظة مدى ضعفنا عندما نستيقظ من الفراش يدفعنا إلى البدء بالتفكر، وعندما نستحم أو نغسل وجوهنا وننظف أسناننا كل صباح نستغرق في التفكير بأشياء أخرى تدل على ضعفنا، فالطبقة الجلدية في جسمنا تخفي تحتها مشهداً رهيباً، وأجسادنا عرضة للالتهابات بأنواعها، ولا أحد منا يستطيع احتمال عدم النوم أو الصبر على الجوع والعطش، وهذه كلها من دلائل ضعفنا.
وإذا كان من ينظر في المرآة مسناً، فقد تخطر على باله أفكار أخرى، فأولى علامات الشيخوخة تظهر في الوجه بعد العقد الثاني من العمر، إذ في الثلاثينيات تبدأ التجاعيد بالظهور تحت العينين وحول الفم ولا يعود الجلد متورداً، ومع تقدم العمر يبدأ الجسم بالذبول، ويتحول لون الشعر إلى الأبيض وتظهر الشيخوخة حتى على اليدين.
عندما نتفكر في هذه الأمور نجد أن الشيخوخة من أهم الوقائع التي تكشف الطبيعة المؤقتة لهذه الحياة الدنيا. فمن يشيخ يشعر بأن العد العكسي لحياته قد بدأ، وفي الحقيقة فإن ما يشيخ وما يجري عليه العد العكسي هو الجسد ، الذي يذبل شيئاً فشيئاً ، أما الروح فلا تشيخ.
ومعظم الناس يتأثر في شبابه بكونه حسن الهيئة أو غير جذاب، فيجنح أصحاب الهيئة الحسنة إلى التعجرف، أما من هم أقل منهم حظاً في الجمال، فيشعرون بعقدة النقص وعدم السعادة، فتأتي الشيخوخة لتظهر أن الجمال والقبح أمران مؤقتان، وأن ما ينفع عند الله وما يقبل عنده أعمال الإنسان الصالحة والتزامه بأوامر الله وحسن خلقه.
في كل مرة نواجه فيها ضعفنا ندرك أن الكمال والتنزه عن النقص هما لله وحده، مما يدفعنا إلى تمجيد عظمة الله. فالله تعالى خلق كل ضعف في الإنسان لهدف، ومن هذه الأهداف مساعدة الناس على عدم التعلق بالحياة الدنيا، وعدم البغي فيما أوتوا. ومن أدرك هذا عبر التفكر فإنه سيدعو الله أن يعيد خلقه في الآخرة خالياً من الضعف.
شيء آخر يلفت النظر في أمر ضعفنا ندعو أولئك الناس المغرورين والمتعجرفين إلى تدبّره والاعتبار منه: انظروا إلى الوردة تنبت من تراب أسود موحل، بشذى صافٍ نظيف، فيما تفوح من البشر رائحة لا تحتمل إذا لم نعتن بنظافتنا كما يجب!..
بماذا تجعلنا بعض معالم جسم الإنسان نتفكّر
ولا يقتصر التفكّر عند النظر في المرآة على ما ذكرناه، فقد تخطر على بالنا أشياء كثيرة لم نتفكر فيها من قبل، مثل رموش عيوننا وحواجبنا، وكيف أن أسناننا وعظامنا تتوقف عن النمو عندما تصل إلى طول معين فيما يستمر الشعر بالنمو. وبكلمات أخرى كيف أن أعضاء الجسم التي يسبب نموها الزائد مساوئ وقبحا ًتتوقف عن النمو، وتستمر الأخرى التي تضفي على الإنسان جمالاً - كالشعر مثلاً- بالنمو، هذا مع ملاحظة التكامل والتناسق التام في نمو العظام. فلا تنمو الأطراف العليا من الأيدي والأرجل بدون فائدة جاعلة الجسم يبدو دون الحجم بالنسبة لها.. فنمو العظام يتوقف في الوقت المناسب، كما لو أن كل عظمة تعرف المقدار الذي يجب أن تصل إليه.
صحيح أن الأمور التي ذكرناها تحدث كنتيجة لتفاعلات كيميائية معينة في الجسم، ولكن الإنسان الذي ينظر إليها لا بد أن يتساءل: كيف تحدث هذه التفاعلات الكيميائية، ومن الذي قدر الكميات المحددة للهرمونات في أنزيمات الجسم، لتنظم النمو في جميع أنحائه؟ ومن يضبط كمية إفرازات هذه الهرمونات؟ بدون شك من المستحيل الادعاء أن هذه الأشياء تحدث بمحض الصدفة، ومن المستحيل أيضاً للخلايا التي يتأسس منها جسم الإنسان والذرات غير العاقلة التي تتألف منها الخلايا أن تتخذ مثل هذه القرارات ، لذلك فإن من الواضح أن كل ما ذكرناه هو من إبداع الله تعالى الذي خلقنا في أحسن تقويم.
في الطريق
مباشرة بعد الاستيقاظ من النوم صباحاً والاستعداد يمضي معظم الناس في شؤونهم فمنهم من يتوجه إلى عمله ومنهم من يذهب إلى المدرسة، ومنهم من يمضي لتسوية بعض الأمور في مكان ما في هذا العالم الرحب. بالنسبة للمؤمن هذه الرحلة القصيرة هي نقطة البداية للقيام بالأعمال الصالحة التي ترضي الله سبحانه وتعالى. فعندما نستيقظ نشكر المولى تعالى الذي وهبنا يوماً آخر نكسب فيه من رزقه، والآن وقد مضينا في أمرنا، فقد بدأت الرحلة التي يمكن أن نكسب من خلالها هذا الرزق وعندما نتفكر في هذا الأمر لا بد أن نذكر قوله تعالى ?وجعلنا النهار معاشا?[النبأ:11]. ووفقاً لهذه الآية يجب علينا أن نخطط كيف سنمضي يومنا في أعمال ذات نفع للعباد ترضي الله سبحانه وتعالى.
وعندما نترك المنزل نمر بشكل تلقائي بالكثير من الأمور التي يجب أن نتفكر فيها، فهناك الآلاف من الناس والسيارات والأشجار الكبيرة والصغيرة، والتفاصيل التي لا تعد ولا تحصى من حولنا، وبالطبع فإن توجهات المؤمن محددة، فسوف نحاول الاستفادة لأقصى الحدود مما نراه حولنا ون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فن التأمل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب السودان المبدع  :: المنتدى العام :: المنتدى الاسلامى يشمل الادعية والاحاديث والكثير-
انتقل الى: