مائة يوم فى جنوب السودان
---------------------------------
شعب واحد يعيش فى دولتين
--------------------------------
أحاول إستدعاء أيامى فى جنوب السودان بحدث وقع فى واشنطن بعد عامين من إنفصال الجنوب.
تقع سفارة الجنوب مواجهة لمقر عملى فى الجزء الشمالى الغربى للعاصمة واشنطن حيث إعتدت وعدد من دبلوماسيى دولة جنوب السودان على تناول الغداء فى مكان واحد يسمى "جاك فرش".
كنا نتجاذب اطراف الحديث أحيانا خلال الغداء ثم نتفرق. فى احد الأيام وبينما كنت أتحدث داخل المطعم مع أحد الدبلوماسيين من دولة جنوب السودان إقتربت منا مديرة المطعم وسألتنا هل تنتميان إلى دولة واحد؟ نظرت فى وجهها وفى وجه صديقى الدبلوماسى وحاولت قول شيئ ولكننى تلعثمت ثم صرت غير قادر على تقديم كلام معقول. عندها بادر صديقى الدبلوماسى وقال لها بثقة نحن شعب واحد يعيش فى دولتين فكانت العبارة من أبلغ ما سمعت فى خضم جدل الحنين وتاريخ الإنتماء الجغرافى الذى غمر أهل الشمال والجنوب خلال خطى الإنفصال.
عنما إلتقيت النائب السابق لرئيس الجنوب ريك مشار فى مكتبه فى جوبا عام 2011 وهنا فى العاصمة الأميريكية واشنطن عام 2012 كان يحدثنى عن الشمال أكثر من حديثه عن الجنوب.
الآن يبدو أن الجنوب فى طريقه للعودة إلى تاريخ لا يبدو أنه يسر الجنوبيين. حوالى خمسين عاما من الحرب مع الشمال ثم بوادر حرب أخرى مع الذات والدولة الوليدة لم تتأسس بعد.
تخيلو هذا المشهد, ريك مشار يلوذ إلى قوى تناصره مثل بيتر قديت وربيكا قرنق وتقول المصادر إنه قد يتحول إلى نمر كاسر فى حالة تحالفه مع الجنرال ياو ياو وترجح كل القراءات تحول ميزان القوة العسكرية لصالح ريك مشار خاصة وأن قبيلة النوير يشكلون 60% من جيش الجنوب ذلك ان 99% من المليشيات التى إنضمت إلى جيش الدولة بعد إنفصالها هى من قبائل النوير كما قال دبيلوماسى كبير من دولة جنوب السودان.
أعود مرة ثانية إلى إعتقاد يسود بصورة واسعة وسط سكان الدولتين وهو تنازع المشاعر تجاه قضية الإنفصال نفسها وهى مشاعر لا تزال تنتج كل يوم أحداث ربما تعكس طبيعة مراحل نمو هذا الوليد الجديد "دولة جنوب السودان". هل بذل قادة الدولة الجهد المطلوب لبناء الدولة وهل بذلوا الجهد المطلوب لبناء الأمة؟ تلك أسئلة حاول الإجابة عليها خلال المشاهد التى وردت فى "ميلاد دولة" وعبر هذه الزيارة الجديدة للأيام المائة التى قضيتها أشهد مراحل بزوغ دولة جنوب السودان.